فصل: باب أن القاتل لا يرث وأن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة وغيرها

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار **


 باب ميراث الحمل

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏إذا استهل المولود ورث‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2 - وعن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد اللّه والمسور ابن مخرمة قالا قضى رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا يرث الصبي حتى يستهل‏)‏‏.‏

ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد اللّه‏.‏

حديث أبي هريرة في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقد روى عن ابن حبان تصحيح الحديث‏.‏ وحديث جابر اخرجه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ ‏(‏إذا استهل صلى عليه وورث‏)‏ وفي إسناده اسمعيل ابن مسلم وهو ضعيف قال الترمذي وروى مرفوعا والموقوف أصح وبه جزم النسائي وقال الدارقطني في العلل لا يصح رفعه‏.‏ قوله ‏(‏إذا استهل‏)‏ قال ابن الأثير استهل المولود إذا بكى عند ولادته وهو كناية عن ولادته حيا وإن لم يستهل بل وجدت منه إمارة تدل علة حياته وقد تقدم الكلام على الاستهلال في كتاب الجنائز والحديثان يدلان على أن المولود إذا وقع منه الاستهلال أو ما يقوم مقامه ثم مات ورثه قرابته وورث هو منهم وذلك ما لا خلاف فيه‏.‏ وقد اختلف في الأمر الذي تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة وهو ول الكرخي وروى عن علي وزفر والشافعي‏.‏ وروى عن ابن عباس وجابر بن عبد اللّه وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة أنه لا يرث مالم يستهل صارخا‏.‏ وفي شرح الإبانة الاستهلال عند الهادي والفريقين الحركة أو الصوت وعند الناصر ومالك ورواية عن أبي حنيفة وأبي طالب الصوت فقط ويكفي عند الهادوية خبر عدلة بالاستهلال وعند مالك والهادي لابد من عدلتين وعند الشافعي أربع‏.‏

 باب الميراث بالولاء

1 - صح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنه قال ‏(‏الولاء لمن أعتق‏)‏ وللبخاري في رواية ‏(‏الولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة‏)‏‏.‏

2 - وعن قتادة عن سلمى بنت حمزة ‏(‏أن مولاها مات وترك ابنته فورث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ابنته النصف وورث يعلى النصف وكان ابن سلمى‏)‏‏.‏

رواه أحمد‏.‏

3 - وعن جابر ابن زيد عن ابن عباس ‏(‏أن مولى لحمزة توفي وتك ابنته حمزة فاعطى النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني‏.‏ واحتج أحمد بهذا الخبر في رواية أبي طالب وذهب إليه وكذلك روى عن إبراهيم النخعي ويحيى بن آدم وإسحاق بن راهوية إن المولى كان لحمزة‏.‏ وقد روى أنه كان لبنت حمزة فروى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد اللّه بن شداد عن بنت حمزة وهي أخت ابن شداد لامه ‏(‏قالت مات مولاي وترك ابنته فقسم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها النصف‏)‏‏.‏ رواه ابن ماجه‏.‏ وابن أبي ليلى فيه ضعف فإن صح هذا لم يقدح في الرواية الأولى فإن من المحتمل تعدد الواقعة ومن المحتمل أنه أضاف مولى الوالد إلى الولد بناء على القول بانتقاله إليه أو توريثه به‏.‏

الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله صح عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قد تقدم في باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا في باب من شرط الولاء أو شرطا فاسدا من كتاب البيع أيضا وسيأتي أيضا في باب المكاتب وحديث قتادة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه‏.‏ وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات الا أن قتادة لم يسمع من سلمي بنت حمزة قال وأخرجه يأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح‏.‏ وحديث جابر بن زيد ذكره أيضا في التلخيص وسكت عنه‏.‏ وحديث محمد بن عبد الرحمن رواه النسائي من حديث ابنة حمزة أيضا وفي إسناده ابن أبي ليلى المذكور وهو القاضي وهو ضعيف كما قال المصنف وأعل الحديث النسائي بالإرسال وصحح هو والدارقطني الطريق المرسلة وأخرجه أيضا الحاكم وصرح بأن أسمها أمامة وهو يخالف ما في حديث أحمد المذكور في الباب من التصريح بأن اسمها سلمى‏.‏ وفي مصنف ابن أبي شيبة أنها فاطمة قال البيهقي اتفق الرواة على ان ابنة حمزة هي المعتقة وقال إن قول إبراهيم النخعي إنه مولى حمزة غلط والأولى الجمع بين الروايتين بمثل ما ذكره المصنف رحمه اللّه‏.‏ وحديث ابنة حمزة فيه على فرض أنها هي المعتقة دليل على أن المولى الأسفل إذا مات وترك أحدا من ذوي سهامه ومعتقه كان لذوي السهام من قرابته مقدار ميراثهم المفروض والباقي للمعتق ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى ويؤيد ذلك عموم قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الولاء لمن أعتق والولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة‏)‏ وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه فروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وزيد بن علي والناصر أن مولى العتاق لا يرث الا بعد ذوي أرحام الميت وذهب غيرهم إلى أنه يقدم على ذوي أرحام الميت ويأخذ الباقي بعد ذوي السهام ويسقط مع العصبات والرواية المذكورة عن قتادة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وعصبة مولاه كان لذوي السهام فرضهم والباقي لعصبة المولى‏.‏ ورواية ابن عباس المذكورة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وذوي سهام مولاه كان لذوي سهامه نصيبهم والباقي لذوي سهام مولاه والذي جزم به جماعة من أهل الفرائض أن ذوي سهام الميت يسقطون ذوي سهام المعتق ويدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏ميراث الولاء للأكبر من الذكور ولا ترث النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن أو أعتقه من أعتقن‏)‏ وأخرج البيهقي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن‏.‏

 باب النهي عن بيع الولاء وهبته وما جاء في السائبة

1 - عن ابن عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أنه نهى عن بيع الولاء وهبته‏)‏‏.‏

رواه الجماعة‏.‏

2 - وعن علي عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏من والى قوما بغير أذن مواليه لعنة اللّه والملائكة والناس أجمعين لا يقبل اللّه منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا‏)‏‏.‏

متفق عليه وليس لمسلم فيه بغير أذن مواليه لكن له مثله بهذه الزيادة من حديث أبي هريرة‏.‏

3 - وعن هزيل بن شرحبيل قال ‏(‏جاء رجل إلى عبد اللّه فقال أني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد اللّه ان أهل الإسلام لا يسببون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولى نعمته ولك ميراثه وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال‏)‏‏.‏

رواه البرقاني على شرط الصحيح‏.‏ وللبخاري منه ‏(‏إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون‏)‏‏.‏

في الباب عن عبد اللّه بن عمر عند الحاكم وابن حبان وصححه والبيهقي وأعله قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب‏)‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نهى عن بيع الولاء وعن هبته‏)‏ فيه دليل على أنه لا يصح بيع الولاء ولا هبته لأنه أمر معنوي كالنسب فلا يتأتى انتقاله قال ابن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب وحكم الولاء حكمه لحديث ‏(‏الولاء لحمة كلحمة النسب‏)‏ وحكي في البحر عن مالك أنه يجوز بيع الولاء‏.‏ وقال ابن بطال وغيره جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة وجاء عن ميمونة جواز هبته قال الحافظ قد أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد الرزاق عنه أنه كان يقول أيبيع أحدكم نسبه‏.‏ومن طريق علي الولاء شعبة من النسب‏.‏ ومن طريق جابر أنه أنكر بيع الولاء وهبته‏.‏ ومن طريق ابن عمر وابن عباس أنها كانا ينكران ذلك وسنده صحيح ويغني عن ذلك حديث ابن عمر المذكور في الكتاب وحديثه الثاني الذي ذكرناه فإنه حديث صحيح ويغني عن ذلك كله حديث صحيح وقد جمع أبو نعيم طرقه فرواه عن نحوه من خمسين رجلا من أصحاب عبد اللّه بن دينار عنه‏.‏ ورواه أبو جعفر الطبري في تهذيبه والطبراني في الكبير وأبو نعيم أيضا من حديث عبد اللّه بن أبي أوفى فلا وجه لما قاله البيهقي من أنه يروى بأسانيد كلها ضعيفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صرفا ولا عدلا‏)‏ الصرف التوبة‏.‏ وقيل النافلة والعدل الفدية وقيل الفريضة‏.‏

والحديث يدل على أنه يحرم على المولى أن يوالي غيره مواليه لأن اللعن لمن فعل ذلك من الأدلة القاضية بأنه من الذنوب الشديدة‏.‏ قوله ‏(‏وجعلته سائبة‏)‏ قال في القاموس السائبة المهملة والعبد يعتق على أن لا ولاء له انتهى‏.‏ وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ثم هدمه الإسلام‏.‏

 باب الولاء هل يورث أو يورث به

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال ‏(‏تزوج رباب بن حذيفة بن سعيد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحبة فلدت له ثلاثة فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها وولاء مواليها فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام فماتوا في طاعون عمواس فورثهم عمرو وكان عصبتهم فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر بن حبيب يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب فقال اقضي بينكم بما سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان فقضى لنا به وكتب لنا كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت‏)‏‏.‏

رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه‏.‏ ولأحمد زسطه من قوله ‏(‏فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر إلى قوله فقضى لنا به‏)‏ قال أحمد في رواية ابنه صالح حديث عمر عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان هكذا يرويه عمرو بن شعيب‏.‏ وقد روى عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أنهم قالوا الولاء للكبر فهذا الذي نذهب إليه وهو قول أكثر الناس فيما بلغنا‏.‏

الحديث أخرجه أيضا النسائي مسندا ومرسلا وصححه ابن المديني وابن عبد البر وزاد أبو داود بعد قوله وزيد بن ثابت ورجل آخر فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى هشام بن اسمعيل أو إلى اسمعيل بن هشام فرفعهم إلى عبد الملك فقال هذا من القضاء الذي ما كنت أراه قال فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب فنحن فيه إلى الساعة‏.‏ وأثر عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي وسعيد بن منصور‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏رياب‏)‏ بكسر الراء المهملة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعد الألف باء موحدة وذكره صاحب القاموس في مادة المهموز قوله ‏(‏عمواس‏)‏ هي قرية بين الرملة وبيت المقدس‏.‏ قوله ‏(‏أنهم قالوا الولاء للكبر‏)‏ الخ أراد أحمد بن حنبل أن مذهب الجمهور ذكر معنى ذلك في نهاية المجتهد‏.‏ وحديث عمر وفعله يقتضي تقديم البنين ثم رده إلى الأخوة بعدهم وهو مذهب شريح وجماعة وححتهم ظاهر خبر عمر لأن البنين عصبتها ولما كان عمرو بن العاص ليس بعصبة لها رد الولاء إلى أخواتها لأنهم عصبتها وفي ذلك دلالة على أن الولاء لا يورث وإلا لكان عمرو أحق به منهم‏.‏ قال في البحر مسألة الأكثر ولا يورث يعني الولاء بل تختص العصبات للخبر العترة والفريقان ولا يعصب فيه ذكر أنثى فيختص به ذكور أولاد المعتق وأخوته إذ قد ثبت أن الأعمام لا يعصبون لضعفهم والولاء ضعيف فلم يقع فيه تعصيب بحال شريح وطاوس بل يورث ويعصبون لقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم كلحمة النسب قلت مخصص بالقياس‏.‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا يورث‏)‏ انتهى ومراده بالقياس القياس على عدم تعصيب الأعمام لأخواتهم‏.‏ ومعنى كون الولاء للكبر أنها لا تجري فيه قواعد الميراث وإنما يختص بارثه الكبر من أولاد المعتق أو غيرهم فإذا خلف رجل ولدين وقد كان أعتق عبدا فمات أحد الولدين وخلف ولدا ثم مات العتيق اختص بولائه ابن المعتق دون ابن ابنه وكذلك لو أعتق رجل عبدا ثم مات وترك أخوين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات المعتق فميراثه لأخي المعتق دون ابن أخيه‏.‏ ووجه الاستدلال بما روي عن هؤلاء الصحابة أنهم لا يخالفون التوريث إلا توقيفا‏.‏

 باب ميراث المعتق بعضه

1 - عن ابن عباس ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال المكاتب يعتق بقدر ما أدري ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه‏)‏‏.‏

رواه النسائي وكذلك أبو داود والترمذي‏.‏ وقال حديث حسن ولفظهما ‏(‏إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه‏)‏ والدارقطني مثلهما وزاد ‏(‏وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه‏)‏ وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا كان العبد نصفه حرا ونصفه عبدا ورث بقدر الحرية كذلك روى عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم‏.‏

الحديث رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ في الفتح لكنه اختلف في إرساله ووصله وقد اختلف في حكم المكاتب إذا ادى بعض مال الكتابة فذهب أبو دطالب والمؤيد باللّه إلى أنه إذا سلم شيئا من مال الكتابة صار لقدره حكم الحرية فيما يتبعض من الأحكام حيا وميتا كالوصية والميراث والحد والأرش وفيما لا يتبعض كالوقود والرجم والوطء بالملك له حكم العبد‏.‏ وقال أبو حنيفة والشافعي أنه لا يثبت عنه شيء من أحكام الأحرار بل حكمه حكم العبد حتى يستكمل الحرية وحكاه الحافظ في الفتح عن الجمهور‏.‏ وحكى في البحر عن عمرو وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة والحسن البصري وسعيد بن المسيب والزهري والثوري والعترة وأبي حنيفة والشافعي ومالك أن المكاتب لا يعتق حتى يوفي ولو سلم الأكثر واحتجوا بما أخرجه أبو داود عن جده مرفوعا ‏(‏المكاتب قن ما بقي عليه درهم‏)‏ ورواه النسائي وابن حبان من وجه آخر من حديثه بلفظ ‏(‏ومن كان مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية فهو عبد‏)‏ وروى عن على المكاتب إذا ادى الشطر عتق ويطالب بالباقي وروى عنه أيضا أنه يعتق منه بقدر ما أدى وعن ابن مسعود لو كتابته عتق‏.‏ وعن شريح إذا ادى ثلثا عتق وما بقي اداه في الحرية‏.‏ وحديث الباب يدل على ما قاله المؤيد باللّه وأبو طالب ويؤيده ما أخرجه النسائي عن عكرمة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد‏)‏ قال البيهقي قال أبو عيسى فيما بلغني عنه سألت البخاري عن هذا الحديث قال روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن علي قال البيهقي ما اختلف عن عكرمة فيه وروى عنه مرسلا‏.‏ ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم مرسلا وجعله إسماعيل من قول عكرمة وروى موقوفا عن علي أخرجه البيهقي من طرق مرفوعا‏.‏ وفي مسألة مذهب آخر وهو أن المكاتب يعتق بنفس الكتابة ورجح هذا المذهب بأن الحكم الكتابة حكم البيع لأن المكاتب اشترى نفسه من السيد ورجح مذهب الجمهور لبأنه أحوط لأن ملك السيد لا يزول إلا بعد تسليم ما قد رضي به من المال وإذا لم يمكن الجمع بين الحديثين المذكورين فالحديث الذي تمسك به الجمهور ارجح من حديث الباب وسيأتي حديث عمرو بن شعيب في باب المكاتب من كتاب العتق‏.‏

 باب امتناع الأرث باختلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم

1 - عن أسامة بن زيد عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم‏)‏‏.‏

رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي‏.‏ وفي رواية ‏(‏قال يا رسول اللّه أتنزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك لناعقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين‏)‏ أخرجاه‏.‏

2 - وعن عبد اللّه بن عمرو ‏(‏ان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يتوارث أهل ملتين شتى‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه‏.‏ وللترمذي مثله من حديث جابر‏.‏

3 - وعن جابر ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا يرث المسلم النصراني الا أن يكون عبده أو أمته‏)‏‏.‏

رواه الدارقطني ورواه من طريق آخر موقوفا على جابر وقال موقوف وهو محفوظ‏.‏ وعن ابن عباس قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على ما قسم الإسلام‏)‏ رواه أبو داود وابن ماجه‏.‏

حديث أسامة بن زيد هو باللفظ الأول في مسلم لا كما زعم المصنف قال الحافظ وأغرب ابن تيمية في المنتقي فادعى إن مسلما لم يخرجه وكذا ابن الأثير في الجامع ادعى ان النسائي لم يخرجه اه وحديث عبد اللّه بن عمرو أخرجه ايضا الدارقطني وابن السكن وسند أبي داود فيه إلى عمرو بن شعيب صحيح‏.‏ وحديث جابر الأول استغربه الترمذي وفي إسناده ابن أبي ليلى ولفظه ‏(‏لا يتوارث أهل ملتين‏)‏ وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو يعلى والضياء في المختارة‏.‏

ـ وفي الباب ـ عن ابن عمر عند ابن حبان بنحو حديث عمرو بن شعيب‏.‏ وعن أبي هريرة عند البزار بلفظ ‏(‏لاترث ملة من ملة وفيه عمر بن راشد تفرد به وهو لين الحديث وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم قال في البحر إجماعا واختلف في ميراث المرتد فقيل يكون للمسلمين قال في البحر قيل إجماعا إذ هي كموته الأكثر ولا يرث المسلم من الذمي معاذ ومعاوية والناصر والأمامية بل يرث لنا ‏(‏لاتوارث بين أهل ملتين‏)‏ قالوا قال صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الاسلام يعلو ولا يعلى‏)‏ قلنا نقول بموجبه والأرث ممنوع بما رويناه قالوا قال صلى اللّه عليه وآله وسلم نرثهم ولا يرثونا قلنا لعله أراد المرتدين جمعا بين الأخبار ثم قال مسألة الهادي وأبو يوسف ومحمد ويرث المرتد ورثته المسلمون الشافعي لا بل لبيت المال أبو حنيفة ما كسبه قبل الردة فلورثته المسلمين وبعدها لبيت المال لنا قتل على عليه السلام المستورد العجلي حين ارتد وجعل ميراثه لورثته المسلمين ولم يفصل‏.‏ قالوا لا يرث المسلم الكافر قلنا مخصوص بعمل علي قالا غنم أموال أهل الردة قلنا كان لهم منعة فصاروا حربيين اه كلام البحر‏.‏ وقوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏الاسلام يعلو‏)‏ هو حديث أخرجه أبو داود والحاكم وصححه‏.‏ وأما قوله نرث أهل الكتاب ولا يرثونا فليس من قول النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كما زعم في البحر بل هو من قول معاوية كما روى ذلك ابن أبي شيبة وقد قال بقول معاوية ومن معه عبد اللّه بن مغفل ومسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ولكنه اجتهاد مصادم لعموم قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏لا يرث المسلم الكافر‏)‏ وما في معناه‏.‏ ومصادم أيضا لنص حديث جابر المذكور في الباب ولتقريره صلى اللّه عليه وآله وسلم لما فعله عقيل‏.‏

ـ والحاصل ـ أن أحاديث الباب قاضية بأنه لا يرث المسلم من الكافر من غير فرق بين أن يكون حربيا أو ذميا أو مرتدا فلا يقبل التخصيص الا بدليل‏.‏ وظاهر قوله ‏(‏لا يتوارث أهل ملتين‏)‏ أنه أهل ملة كفرية من أهل ملة كفرية أخرى وبه قال الأوزاعي ومالك وأحمد والهادوية وحمله الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الاسلام وبالأخرى الكفر ولا يخفى بعد ذلك‏.‏ وفي ميراث المرتد أقوال أخر غير ما سلف والظاهر ما قدمنا‏.‏

 باب أن القاتل لا يرث وأن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة وغيرها

1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا يرث القاتل شيئا‏)‏‏.‏

رواه أبو داود‏.‏

2 - وعن عمر قال ‏(‏سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول ليس لقاتل ميراث‏)‏‏.‏

رواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه‏.‏

3 - وعن سعيد بن المسيب ‏(‏ان عمر قال الدية للعاقلة لا ترث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي إن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم كتب إلى أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها‏)‏‏.‏

رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ورواه مالك من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد قال ابن شهاب وكان قتلهم أشيم خطأ‏.‏

4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‏(‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قضى ان العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم‏)‏‏.‏

رواه الخمسة إلا الترمذي‏.‏

5 - وعن قرة بن دعموص قال ‏(‏أتيت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم أنا وعمي فقلت يا رسول اللّه عند هذا دية أبي قمره يعطنيها وكان قتل في الجاهلية فقال أعطه دية أبيه فقلت هل لامي فيها حق قال نعم وكانت ديته مائة من الأبل‏)‏‏.‏

رواه البخاري في تاريخه‏.‏

حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله والدارقطني وقواه ابن عبد البر‏.‏ وحديث عمر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبيهقي وهو منقطع قال البيهقي ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال الحافظ وكذا أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمرو قال أنه خطأ وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر أيضا

ـ وفي الباب ـ عن ابن عباس عند الدارقطني بلفظ ‏(‏لا يرث القاتل شيئا‏)‏ وفي إسناده كثير بن مسلم وهو ضعيف‏.‏ وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند البيهقي بلفظ ‏(‏من قتل قتيلا فإنه لا يرث وإن لم يكن له وارث غيره‏)‏ وفي لفظ ‏(‏وإن كان والده أو ولده‏)‏ وفي إسناد عمرو بن برق وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه بلفظ ‏(‏القاتل لا يرث‏)‏ وفي إسناده إسحاق بن عبد اللّه بن أبي فروة تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن الكبرى وقال إسحاق متروك وعن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي عند الطبراني في قصة وانه قتل امرأته خطأ فقال صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏اعقلها ولا ترثها‏)‏ وعن عدي الجذامي نحوه أخرجه الخطابي وحديث سعيد بن المسيب أخرجه أيضا النسائي وقال الترمذي حسن صحيح زاد أبو داود بعد قوله من دية زوجها فرجع عمرو في رواية ‏(‏وكان النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم استعمله على الأعراب‏)‏ وحديث عمرو بن شعيب هو حديث طويل ساقه أبو داود بطوله في باب ديات الأعضاء وفي إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد اختلف فيه فتكلم فيه غير واحد ووثقه غير واحد‏.‏ وحديث قرة ابن دعموص يشهد له حديث الضحاك المذكور‏.‏ وحديث عمرو بن شعيب‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏لا يرث القاتل شيئا‏)‏ استدل به من قال بأن القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم قالوا ولا يرث من المال ولا من الدية‏.‏ وقال مالك والنخعي والهادوية إن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية ولا يخفى ان التخصيص لا يقبل الا بدليل‏.‏ وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي نص في محل النزاع فإن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال له ولا ترثها‏.‏ وكذلك حديث عدي الجذامي الذي اشرنا إليه ولفظه في سنن البيهقي ‏(‏إن عديا كانت له امرأتان اقتتلنا فرمى احداهما فماتت فلما قدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أتاه فذكر له ذلك فقال له اعقلها ولا ترثها‏)‏ وأخرج البيهقي أيضا ‏(‏ان رجلا رمى بحجر فأصاب أمه فماتت من ذلك فأراد نصيبه من ميراثها فقال له أخوته لا حق لك فأرتفعوا إلى علي رضي اللّه عنه فقال له حقك من ميراثها الحجر أو غرمه الدية ولم يعطه من ميراثها شيئا‏.‏ وأخرج أيضا عن جابر بن زيد أنه قال ‏(‏أيما رجل قتل رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث له منهما وأيما امرأة قتلت رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث لها منهما‏)‏ وقال قضي بذلك عمر بن الخطاب وعلي وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين‏.‏ وقد ساق البيهقي في الباب آثارا عن عمر وابن عباس وغيرهما تفيد كلها أنه لا ميراث للقاتل مطلقا قوله‏:‏ ‏(‏اشيم‏)‏ بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت قوله‏:‏ ‏(‏من دية زوجها‏)‏ فيه دليل على أو الزوجة ترث من دية زوجها كما ترث من ماله وكذلك يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور لعموم قوله فيه ‏(‏بين ورثة القتيل‏)‏ والزوجة من جملتهم‏.‏ وكذلك قوله في حديث قرة المذكور ‏(‏هل لامي فيها حق قال نعم‏)‏‏.‏

 باب في أن الأنبياء لا يورثون

1 - عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لا نورث ما تركناه صدقة‏)‏‏.‏

2 - وعن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وعلي والعباس ‏(‏أنشدكم اللّه الذي بأذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركنا صدقة قالوا نعم‏)‏‏.‏

3 - وعن عائشة ‏(‏أن أزواج النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم حين توفى أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة اليس قال النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم لا نورث ماتركناه صدقة‏)‏‏.‏

4 - وعن أبي هريرة قال ‏(‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة‏)‏‏.‏

متفق عليهن‏.‏ وفي لفظ لأحمد ‏(‏لا يقتسم ورثتي دينارا أو لا درهما‏)‏‏.‏

5 - وعن أبي هريرة ‏(‏أن فاطمة رضي اللّه عنها قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت قال ولدي وأهلي قالت فما لنا لانرث النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال سمعت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يقول أن النبي لا يورث ولكن أعول من كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعول وأنفق على من كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم‏)‏‏.‏

رواه أحمد والترمذي وصححه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نورث‏)‏ بالنون وهو الذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث كما قال الحافظ في الفتح وما تركنا في موضع الرفع بالابتداء وصدقة خبره وقد زعم الرافضة أن لا نورث بالياء التحتانية وصدقة بالنصب على الحال وماتركناه في محل رفع على النيابة والتقدير لا يورث الذي تركناه حال كونه صدقة وهذا خلاف ما جاءت به الرواية ونقله الحافظ وما ذلك بأول تحريف من أهل تلك النحلة ويوضح بطلانه ما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ ‏(‏فهو صدقة‏)‏ وقوله ‏(‏لا تقتسم ورثتي دينارا‏)‏ وقوله ‏(‏أن النبي لا يورث‏)‏ ومما ينادى على بطلانه أيضا أن أبا بكر أحتج بهذا الكلام على فاطمة رضي اللّه عنهما فيما ألتمسته منه من الذي خلفه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ فلوكان اللفظ كما تقرؤه الروافض لم يكن فيما أحتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أنشدكم اللّه‏)‏ أي اسألك رافعا نشدتي أي صوتي وقد قدمنا الكلام على هذا التركيب ومعناه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ومؤنة عاملي‏)‏ اختلف في المراد به فقيل هو الخليفة بعده‏.‏ قال الحافظ وهذا هو المعتمد‏.‏ وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وأبعده من قال المراد بعامله حافر قبره وقال ابن دحية في الخصائص المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة‏.‏ وقيل العامل فيها كالأخير ونبه بقوله دينارا بالأدنى على الأعلى وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن الأنبياء لا يورثون وإن جميع ما تركوه من الأموال صدقة ولا يعارض ذلك قوله تعالى ‏{‏وورث سليمان داود‏}‏ فإن المراد بالوراثة المذكورة وراثة العلم لا المال كما صرح بذلك جماعة من أئمة التفسير وقد استشكل ما وقع في الباب عن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد وعلي والعباس ‏(‏أتعلمون أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركناه صدقة فقالوا نعم‏)‏ ووجه الاستشكال ان أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏لانورث‏)‏ فإن كانا سمعاه من النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر وأجيب يحمل ذلك على أنهما اعتقدا أن عموم لانورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض ولذلك نسب عمر إلى علي والعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في صحيح البخاري وغيره‏.‏ وأما مخاصمتها بعد ذلك عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على انهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث ولفظه في آخره ‏(‏ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي واللّه لا أقضي بينكما إلا بذلك‏)‏ أي إلا بما تقدم من تسليمها لها على سبيل الولاية‏.‏ وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن لأبي داود وغيره أراد أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليهما اسم القسمة ولذلك أقسم على ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر شراح الحديث واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم‏.‏ وأعجب من ذلك جزم ابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري‏.‏ وأما ما ثبت في الصحيح في قول عمر جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم بينهم لو كان هناك ميراث لا أنه أراد الغض منهما في هذا الكلام وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة ما لفظه ‏(‏فأصلحا أمركما وإلا لم يرجع واللّه إليكما‏)‏‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏ولكن أعول من كان رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم يعول‏)‏ الخ فيه دليل على أنه يتوجب على الخليفة القائم بعد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أن يعول من كان الرسول صلوات اللّه عليه وآله وسلم يعوله وينفق على من كان الرسول ينفق عليه‏.‏

 كتاب العتق

 باب الحث عليه

1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال ‏(‏من أعتق رقبة مسلم أعتق اللّه بكل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه‏)‏‏.‏

متفق عليه‏.‏

2 - وعن سالم ابن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم يعني أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ‏(‏أيما أمرئ مسلم أعتق أمرأ مسلم كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوا منه وأيما أمرئ مسلم أعتق امراتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزى كل عضو منهما عضوا منه‏)‏‏.‏

رواه الترمذي وصححه‏.‏ ولأحمد وأبي داود معناه من رواية كعب بن مرة أو مرة بن كعب السلمي وزاد فيه ‏(‏وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزى بكل عضو من أعضائها عضوا من أعضائها‏)‏‏.‏

حديث كعب بن مرة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وإسناده صحيح وفي الباب عن عمر بن عبسة عن أبي داود والترمذي‏.‏ وعن أبي موسى عند أحمد والنسائي‏.‏ وعن عقبة بن عامر عن الحاكم وعن وائلة عند الحاكم أيضا‏.‏ وعن مالك بن الحرث عنده أيضا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏كتاب العتق‏)‏ بكسر العين المهملة وسكون الفوقية وهو زوال الملك وثبوت الحرية‏.‏ قال في الفتح يقال عتق يعتق عتقا بكسر أوله ويفتح وعتاقا وعتاقه‏.‏ قال الأزهري هو مشتق من قوله عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ إذا طار لأن الرقيق يخلص بالعتق ويذهب حيث شاء‏.‏ قوله ‏(‏مسلمه‏)‏ هذا مقيد لباقي الروايات المطلقة فلا يستحق الثواب المذكور إلا من أعتق رقبة مسلمة‏.‏ ووقع في حديث عمر بن عبسة ‏(‏من أعتق رقبة مؤمنة‏)‏ وهو أخص من قيد الإسلام ولا خلاف أن معتق الرقبة الكافر مثاب على العتق ولكنه ليس كثواب الرقبة المؤمنه‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏حتى فرجه بفرجه‏)‏ استشكله بن العربي فقال الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب النار إلا الزنا فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر كالمفاخذة لم يشكل عتقه من النار بالعتق وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة قال فيحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عن الموازاة بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ترجيحا يوازي سيئة الزنا اه قال الحافظ ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء كاليد في الغصب مثلا‏.‏ قوله‏:‏ ‏(‏أيما امرئ مسلم‏)‏ فيه دليل على أن هذا الأجر مختص بمن كان من المعتقين مسلما فلا أجر للكافر في عتقه إلا إذا انتهى أمره إلى الإسلام فسيأتي قوله ‏(‏فكاكه‏)‏ بفتح الفاء وكسرها لغة أي كانتا خلاصة‏.‏ قوله ‏(‏يجزى‏)‏ بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز

ـ وأحاديث الباب ـ فيها دليل على أن العتق من القرب لموجبة للسلامة من النار وإن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى وقد ذهب البعض إلى تفضيل عتق الأنثى على الذكر واستدل على ذلك بأن عتقها يستلزم حرية ولدها سواء تزوجها حر أو عبد ومجرد هذه المناسبة لا يصلح لمعارضة ما وقع التصريح به في الأحاديث من فكاك المعتق إما رجل أو امرأتين وأيضا عتق الأنثى ربما أفضى في الغالب إلى ضياعها لعدم قدرتها على التكسب بخلاف الذكر قال في الفتح وفي قوله أعتق اللّه بكل عضو عضوا منه إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقصان لتحصيل الاستيعاب وأشار الخطابي إلى أنه يغتفر البعض المجبور بمنفعته كالخصي مثلا واستنكره النووي وغيره وقال لا يشك أن في عتق الخصي وكل ناقص فضيلة ولكن الكامل أولي‏.‏

3 - وعن أبي ذكر قال ‏(‏قلت يا رسول اللّه أي الأعمال أفضل قال الإيمان باللّه والجهاد في سبيل اللّه قال قلت أي الرقاب افضل قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا‏)‏‏.‏

4 - وعن ميمونة بنت الحرث ‏(‏أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم أني أعتقت وليدتي قال فعلت قالت نعم قال أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك‏)‏‏.‏

متفق عليهما‏.‏ وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة بدون إذن زوجها وأن صلة الرحم أفضل من العتق‏.‏

5 - وعن حكيم بن حزام قال ‏(‏قلت يا رسول اللّه أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاق وصلة رحم هل لي فيها من أجر قال أسلمت على ما سلف لك من خير‏)‏

متفق عليه‏.‏ وقد احتج به على أن الحربي ينفذ عتقه ومتى نفذ فله ولائه بالخبر‏.‏

قوله ‏(‏الإيمان باللّه والجهاد‏)‏ قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان ولم يذكر الحج وذكر العتق وفي حديث آخر ذكر السلامة من اليد واللسان‏.‏ قال العلماء اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لا يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه‏.‏ قال في الفتح ويمكن أن يقال أن لفظة من مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من أعقلهم ومنه الحديث ‏(‏خيركم خيركم لأهله‏)‏ ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس اه‏.‏ قوله ‏(‏أنفسها عند أهلها‏)‏ أي اغتباطهم بها أشد فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبا إلا خالصا وهو كقوله تعالى ‏{‏لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون‏}‏‏.‏ قوله وأكثرها ثمنا ‏(‏وأكثرها ثمنا‏)‏ في رواية للبخاري أعلاها ثمنا بالعين المهملة وهي رواية للنسائي أيضا وللكشميهني بالغين المعجمة وكذا النسفي قال ابن قرقول معناهما متقارب ورواية مسلم كما هنا قال النووي محله واللّه أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية قال الواحدة السمينة فيها أفضل لأن المطلوب هنا فك الرقبة وهناك طيب اللحم‏.‏ قال الحافظ والذي يظهر أن باختلاف الأشخاص فرب شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق أضعاف ما يحصل من النفع لعتق أكثر عددا منه ورب محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع به بطيب اللحم فالضابط أن مهما كان أكثر نفعا كان أفضل سواء قل أو كثر‏.‏ واحتج به لمالك في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كانت أعلى ثمنا من المسلمي وقد تقدم تقييده بذلك‏.‏ قوله ‏(‏أشعرت‏)‏ بفتح الشين المعجمة والعين المهملة وهو من الشعور‏.‏ قوله وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة الخ قد قدمنا الكلام على ذلك في باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها من كتاب الهبة‏.‏ قوله ‏(‏أسلمت على ما سلف لك من خير‏)‏ فيه دليل على أن ما فعله الكافر حال كفره من القرب يكتب له إذا أسلم فيكون هذا الحديث مخصصا لحديث الإسلام يجب ما قبله وقد تقدم في أوائل كتاب الصلاة وجب ذنب الكافر بالإسلام أيضا مشروط بأن يحسن في الإسلام لما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد اللّه بن مسعود قال ‏(‏قلنا يا رسول اللّه أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال من أحسن ي الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأول والآخر‏)‏ وحديث حكيم المذكور يدل على أنه يصح العتق من الكافر في حال كفره ويثاب عليه إذا أسلم بعد ذلك وكذلك الصدقة وصلة الرحم‏.‏

 باب من أعتق عبدا وشرط عليه الخدمة

1 - عن سفينة أبي عبد الرحمن قال ‏(‏أعتقتني أم سلمة وشرطت علي أن أخدم النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم ما عاش‏)‏‏.‏

رواه أحمد وابن ماجه‏.‏ وفي لفظ ‏(‏كنت مملوكا لأم سلمة فقالت أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فقلت لو لم تشترطي علي ما فارقت رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ما عشت فأعتقتني وأشترطت علي‏)‏ رواه أبو داود‏.‏

الحديث أخرجه أيضا النسائي وقال لا بأس بإسناده‏.‏ وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده سعيد بن جمهان أبو حفص الأسلمي وثقه يحيى بن معين وأبو داود السجستاني‏.‏ وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به‏.‏ وقد استدل بهذا الحديث بصحة العتق المعلق على شرط‏.‏ قال ابن رشد ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمته‏.‏ قال ابن رسلان وقد اختلفوا في هذا فكان ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا وسئل عنه أحمد فقال يشتري هذه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له قيل له يشتري بالدراهم قال نعم اه‏.‏ وقال الخطابي هذا وعد عبر عنه باسم الشرط ولا يلزم الوفاء به وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق لأنه شرط لا يلاقي ملكا أو منافع الحر لا يملكها غيره إلا في إجارة أو في ما معناها‏.‏ قال في البحر مسألة ومن قال أخدم أولادي في ضيعتهم عشر سنين فإذا مضت فأنت حر عتق باستكمال ذلك إجماعا لحصول الشرط والوقت قبل قلت ولو خدمهم في غير تلك الضيعة إذ القصد الخدمة لا مكانها وكذلك فرق السنين عليهم لم يضر‏.‏ قال الإمام يحيى وللسيد فيه قبل الوفاء كل تصرف إجماعا‏.‏ قال في البحر في دعوى الإجماع نظر قال الإمام يحيى وتلزمه الخدمة إجماعا إذ قد وهبها السيد لهم قال الهادي ويعتق بمضي المدة وإن لم يخدم إذ علق يمضيها حيث قال فإذا مضت قال وإذا مات الأولاد قبل الخدمة ومضى السنين بطل العتق لبطلان شرطه وقيل إن كان لهم أولاد عتق بخدمتهم إذ يعم اللفظ لا غيرهم من الورثة‏.‏